فصل: تفسير الآية رقم (19):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني المشهور بـ «تفسير الألوسي»



.تفسير الآية رقم (19):

{لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ (19)}
{لاَّ يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} أي بسببها وحقيقته لا يصدر صداعهم عنها، والمراد أنهم لا يلحق رؤوسهم صداع لأجل خمار يحصل منها كما في خمور الدنيا، وقيل: لا يفرقون عنها عنى لا تقطع عنهم لذتهم بسبب من الأسباب كما تفرق أهل خمر الدنيا بأنواع من التفريق.
وقرأ مجاهد {لا يصدعون}، بفتح الياء وشد الصاد على أن أصله يتصدعون فأدغم التاء في الصاد أي لا يتفرقون كقوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ} [الروم: 43]، وقرئ {لاَّ يُصَدَّعُونَ} بفتح الياء والتخفيف أي لا يصدع بعضهم بعضًا ولا يفرقونهم أي لا يجلس داخل منهم بين اثنين فيفرق بين المتقاربين فإنه سوء الأدب وليس من حسن العشرة {عَنْهَا يُنزَفُونَ} قال مجاهد. وقتادة. والضحاك: لا تذهب عقولهم بسكرها من نزف الشارب كعنى إذا ذهب عقله، ويقال للسكران نزيف ومنزوف، قيل: وهو من نزف الماء نزحه من البئر شيئًا فشيئًا فكان الكلام على تقدير مضاف.
وقرأ ابن أبي اسحق. وعبد الله. والسلمي. والجحدري. والأعمش وطلحة. وعيسى. وعاصم كما أخرج عنه عبد بن حميد {وَلاَ يُنزِفُونَ} بضم الياء وكسر الزاي من أنزف الشارب إذا ذهب عقله أو شرابه، ومعناه صار ذا نزف؛ ونظيره أقشع السراب وقشعته الريح وحقيقته دخل في القسع، وقرأ ابن أبي إسحاق أيضًا {وَلاَ يُنزِفُونَ} بفتح الياء وكسر الزاي قال: في المجمع وهو محمول على أنه لا يفنى خمرهم، والتناسب بين الجملتين على ما سمعت فيهما أولا على قراءة الجمهور أن الأولى لبيان نفي الضرر عن الأجسام، والثانية لبيان نفي الضرر عن العقول وتأمل لتعرفه إن شاء الله تعالى على ما عدا ذلك.

.تفسير الآية رقم (20):

{وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ (20)}
{وفاكهة مّمَّا يَتَخَيَّرُونَ} أي يأخذون خيره وأفضله والمراد مما يرضونه.

.تفسير الآية رقم (21):

{وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ (21)}
{وَلَحْمِ طَيْرٍ مّمَّا يَشْتَهُونَ} مما تميل نفوسهم إليه وترغب فيه، والظاهر أن فاكهة ولحم معطوفان على {أكواب} [الواقعة: 18] فتفيد الآية أن الولدان يطوفون بهما عليهم، واستشكل بأنه قد جاء في الآثار أن فاكهة الجنة وثمارها ينالها القائم والقاعد والنائم، وعن مجاهد أنها دانية من أربابها فيتناولونها متكئين فإذا اضطحعوا نزلت بإزاء أفواههم فيتناولونها مضطجعين، وأن الرجل من أهل الجنة يشتهي الطير من طيور الجنة فيقع في يده مقليًا نضجًا، وقد أخرج هذا ابن أبي الدنيا عن أبي أمامة.
وأخرج عن ميمونة مرفوعًا «أن الرجل ليشتهي الطير في الجنة فيجيء مثل البختي حتى يقع على خوانه لم يصبه دخان ولم تمسه نار فيأكل منه حتى يشبع ثم يطير» إلى غير ذلك، وإذا كان الأمر كما ذكر استغنى عن طوافهم بالفاكهة واللحم، وأجيب بأن ذلك والله تعالى أعلم حالة الاجتماع والشرب، ويفعلون ذلك للإكرام ومزيد المحبة والتعظيم والاحترام، وهذا كما يناول أحد الجلساء على خوان الآخر بعض ما عليه من الفواكه ونحوها وإن كان ذلك قريبًا منه اعتناءًا بشأنه وإظهارًا لمحبته والاحتفال به، وجوز أن يكون العطف على {جنات النعيم} [الواقعة: 12] وهو من باب متقلدًا سيفًا ورمحًا أو من بابه المعروف، وتقديم الفاكهة على اللحم للإشارة إلى أنهم ليسوا بحالة تقتضي تقديم اللحم كما في الجائع فإن حاجته إلى اللحم أشد من حاجته إلى الفاكهة بل هم بحالة تقتضي تقديم الفاكهة واختيارها كما في الشبعان فإنه إلى الفاكهة أميل منه إلى اللحم، وجوز أن يكون ذلك لأن عادة أهل الدنيا لاسيما أهل الشرب منهم تقديم الفاكهة في الأكل وهو طبًا مستحسن لأنها ألطف وأسرع انحدارًا وأقل احتياجًا إلى المكث في المعدة للهضم، وقد ذكروا أن أحد أسباب الهيضة إدخال اللطيف من الطعام على الكثيف منه ولأن الفاكهة تحرك الشهوة للأكل واللحم يدفعها غالبًا.
ويعلم من الوجه الأول وجه تخصيص التخير بالفاكهة والاشتهاء باللحم، وفيه إشارة إلى أن الفاكهة لم تزل حاضرة عندهم ورأى منهم دون اللحم ووجه ذلك أنها مما تلذه الأعين دونه، وقيل: وجه التخصيص كثرة أنواع الفاكهة واختلاف طعومها وألوانها وأشكالها وعدم كون اللحم كذلك، وفي التعبير بيتخيرون دون يختارون وإن تقاربا معنى إشارة لمكان صيغة التفعل إلى أنهم يأخذون ما يكون منها في نهاية الكمال وأنهم في غاية الغنى عنها، والله تعالى أعلم بأسرار كلامه.

.تفسير الآية رقم (22):

{وَحُورٌ عِينٌ (22)}
{وَحُورٌ عِينٌ} عطف على {ولدان} [الواقعة: 17] أو على الضمير المستكن في {مُتَّكِئِينَ} [الواقعة: 16] أو على مبتدأ حذف هو وخبره أي لهم هذا كل {وَحُورٌ} أو مبتدأ حذف خبره أي لهم، أو فيها حور، وتعقب الوجه الأول بأن الطواف لا يناسب حالهن، وأجيب بأنه لا يبعد أن يكون من الحور ما ليس قصورات في الخيام ولا مخدرات هن كالخدم لهن لا يبالي بطوافهن ولا ينكر ذلك عليهن، وأن الطواف في الخيام أنفسها وهو لا ينافي كونهن مقصورات فيها، أو أن العطف على معنى لهم {ولدان وَحُورٌ} والثاني بأنه خلاف الظاهر جدًا، والثالث بكثرة الحذف، و{عِينٌ} جمع عيناء وأصله عين على فعل كما تقول حمراء وحمر فكسرت العين لئلا تنقلب الياء واوًا، وليس في كلام العرب ياءًا ساكنة قبلها ضمة كما أنه ليس فيه واو ساكنة قبلها كسرة.
وقرأ السلمي. والحسن. وعمرو بن عبيد. وأبو جعفر. وشيبة. والأعمش. وطلحة والمفضل. وأبان. وعصمة عن عاصم. وحمزة. والكسائي {وَحُورٌ عِينٌ} بالجر. وقرأ النخعي كذلك إلا أنه قلب الواو ياءًا والضمة قبلها كسرة في {حُورٌ} فقال: وحير على الاتباع لعين وخرج على العطف على {جنات النعيم} [الواقعة: 12] وفيه مضاف محذوف كأنه قيل: هم في جنات وفاكهة ولحم ومصاحبة حور على تشبيه مصاحبة الحور بالظرف على نهج الاستعارة المكنية، وقرينتها التخييلية إثبات معنى الظرفية بكلمة {فِى} فهي باقية على معناها الحقيقي ولا جمع بين الحقيقة والمجاز، وذهب إلى العطف المذكور الزمخشري، وتعقبه أبو حيان فقال: فيه بعد وتفكيك كلام مرتبط بعضه ببعض، وهو فهم أعجمي وليس كما قال كما لا يخفي أو على {أكواب} [الواقعة: 18] ويجعل من باب متقلدًا سفيًا ورمحًا كما سمعت آنفا فكأنه قيل: ينعمون بأكواب وبحور، وجوز أن يبقى على ظاهره المعروف، وأن الولدان يطوفون عليهم بالحور أيضًا لعرض أنواع اللذات عليهم من المأكول والمشروب والمنكوح كما تأتي الخدام بالسراري للملوك ويعرضوهن عليهم، وإلى هذا ذهب أبو عمر. وقطرب، وأبى ذلك صاحب الكشف فقال: أما العطف على {الولدان} [الواقعة: 17] على الظاهر فلا لأن الولدان لا يطوفون بهن طوافهم بالأكواب، والقلب إلى هذا أميل إلا أن يكون هناك أثر يدل على خلافه، وكون الجر للجوار يأباه الفصل أو يضعفه. وقرأ أبيّ. وعبد الله وحورًا عينًا بالنصب، وخرج على العطف على محل {مُّخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ} لأن المعنى يعطون أكوابًا وحورًا على أنه مفعول به لمحذوف أي ويعطون حورًا أو على العطف على محذوف وقع مفعولًا به لمحذوف أيضًا أي يعطون هذا كله وحورًا، وقرأ قتادة {وَحُورٌ} بالرفع مضافًا إلى {عِينٌ}، وابن مقسم {وَحُورٌ} بالنصب مضافًا، وعكرمة وحوراء عيناء على التوحيد اسم جنس وبفتح الهمزة فيهما فاحتمل الجر والنصب.

.تفسير الآية رقم (23):

{كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ (23)}
{كأمثال اللؤلؤ المكنون} أي في الصفاء، وقيد بالمكنون أي المستور بما يحفظه لأنه أصفى وأبعد من التغير، وفي الحديث صفاؤهن كصفاء الدر الذي لا تمسه الأيدي، ووصف الحسنات بذلك شائع في العرب، ومنه قوله:
قامت تراءى بين سجفي كلة ** كالشمس يوم طلوعها بالأسعد

أو درة صدفية غواصها ** بهج متى يرها يهل ويسجد

والجار والمجرور في موضع الصفة لحور، أو الحال، والاتيان بالكاف للمبالغة في التشبيه، ولعل الأمر عليه نحو زيد قمر.

.تفسير الآية رقم (24):

{جَزَاءً بما كَانُوا يَعْمَلُونَ (24)}
{جَزَاء بما كَانُواْ يَعْمَلُونَ} مفعول له لفعل محذوف أي يفعل بهم ذلك كله جزاءًا بأعمالهم أو بالذي استمروا على عمله أو هو مصدر مؤكد أي يجزون جزاء.

.تفسير الآية رقم (25):

{لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا (25)}
{لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا} ما لا يعتد به من الكلام وهو الذي يورد لا عن روية وفكر فيجري مجرى اللغا وهو صوت العصافير ونحوها من الطير وقد يسمى كل كلام قبيح لغوًا {وَلاَ تَأْثِيمًا} أي ولا نسبة إلى الإثم أي لا يقال لهم أثمتم، وعن ابن عباس كما أخرج ابن المنذر. وابن أبي حاتم تفسيره بالكذب، وأخرجه هناد عن الضحاك وهو من المجاز كما لا يخفى والكلام من باب. ولا ترى الضب بها ينجحر...

.تفسير الآية رقم (26):

{إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا (26)}
{إِلاَّ قِيلًا} أي قولا فهو مصدر مثله {سلاما سلاما} بدل من {قِيلًا} كقوله تعالى: {لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلاَّ سلاما} [مريم: 62] وقال الزجاج: هو صفة له بتأويله بالمشتق أي سالمًا من هذه العيوب أو مفعوله، والمراد لفظه فلذا جاز وقوعه مفعولًا للقول مع إفراده، والمعنى إلا أن يقول بعضهم لبعض {سَلاَمًا}، وقيل: هو مصدر لفعل مقدر من لفظه وهو مقول القول ومفعوله حينئذ أي نسلم سلامًا، والتكرير للدلالة على فشو السلام وكثرته فيما بينهم لأن المراد سلامًا بعد سلام، والاستثناء منقطع وهو من تأكيد المدح بما يشبه الذم محتمل لأن يكون من الضرب الأول منه، وهو أن يستثنى من ضفة ذم منفية عن الشيء صفة مدح له بتقدير دخولها فيها بأن يقدر السلام هنا داخلًا فيما قبل فيفيد التأكيد من وجهين، وأن يكون من الضرب الثاني منه وهو أن يثبت لشيء صفة مدح ويعقب بأداة استثناء يليها صفة مدح أخرى بأن لا يقدر ذلك، ويجعل الاستثناء من أصله منقطعًا فيفيد التأكيد من وجه، ولولا ذكر التئثيم على ما قاله السعد جاز جعل الاستثناء متصلا حقيقية لأن معنى السلام الدعاء بالسلامة وأهل الجنة أغنياء عن ذلك فكان ظاهره من قبيل اللغو وفضول الكلام لولا ما فيه من فائدة الإكرام، وإنما منع التأثيم الذي هو النسبة إلى الإثم لأنه لا يمكن جعل السلام من قبيله وليس لك في الكلام أن تذكر متعددين ثم تأتي بالاستثناء المتصل من الأول مثل أن تقول: ما جاء من رجل ولا امرأة إلا زيدًا ولو قصدت ذلك كان الواجب أن تؤخر ذكر الرجل، وقرئ سلام سلام بالرفع على الحاكية، وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (27):

{وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)}
{وأصحاب اليمين} إلخ شروع في بيان تفاصيل شؤونهم بعد بيان تفاصيل شؤون السابقين {وأصحاب} مبتدأ وقوله: {مَا أصحاب اليمين} جملة استفهامية مشعرة بتفخيمهم والتعجيب من حالهم وهي على ما قالوا: إما خبر للمبتدأ، وقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (28):

{فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ (28)}
{فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} خبر ثان له، أو خبر لمبتدأ محذوف أي هم في سدر، والجملة استئناف لبيان ما أبهم في قوله عز وجل: {مَا أصحاب اليمين} من علو الشأن، وإما معترضة والخبر هو قوله تعالى شأنه: {فِى سِدْرٍ} وجوز أن تكون تلك الجملة في موضع الصفة والخبر هو هذا الجار والمجرور، والجملة عطف على قوله تبارك وتعالى في شرح أحوال السابقين: {أُوْلَئِكَ المقربون فِي جنات النعيم} [الواقعة: 11، 12] أي {وأصحاب اليمين} المقول فيهم {مَا أصحاب اليمين} كائنون {فِى سِدْرٍ} إلخ، والظاهر أن التعبير بالميمنة فيما مر، وباليمين هنا للتفنن وكذا يقال في المشأمة والشمال فيما بعد، وقال الإمام: الحكم في ذلك أن في الميمنة وكذا المشأمة دلالة على الموضع والمكان والازواج الثلاثة في أول الأمر يتيمز بعضهم عن بعض ويتفرقون بالمكان فلذا جيء أولا بلفظ يدل على المكان وفيما بعد يكون التميز والتفرق بأمر فيهم فلذا لم يؤت بذلك اللفظ ثانيًا، والسدر شجر النبق، والمخضود الذي خضد أي قطع شوكه، أخرج الحاكم وصححه. والبيهقي عن أبي أمامة قال: «كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون إن الله تعالى ينفعنا بالأعراب ومسائلهم أقبل أعرابي يومًا فقال: يا رسول الله لقد ذكر الله تعالى في القرآن شجرة مؤذية وما كنت أرى أن في الجنة شجرة تؤذي صاحبها قال: وما هي؟ قال: السدر فإن له شوكا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أليس الله يقول: {فِى سِدْرٍ مَّخْضُودٍ} خضد الله شوكه فجعل مكان كل شوكة ثمرة وأن الثمرة من ثمره تفتق عن اثنين وسبعين لونًا من الطعام ما فيها لون يشبه الآخر».
وأخرج عبد بن حميد عن بن عباس. وقتادة. وعكرمة. والضحاك أنه الموقر حملا على أنه من خضد الغصن إذا ثناه وهو رطب فمخضود مثنى الأغصان كني به عن كثير الحمل.
وقد أخرج ابن المنذر عن يزيد الرقاشي أن النبقة أعظم من القلال والظرفية مجازية للمبالغة في تمكنهم من التنعم والانتفاع بما ذكر.